ونظرت يوماً من الأيام، فإذا في مكان ذلك الطفل اللاهي اللاعب، تلميذ يقرأ مكرهاً، ويكتب مضطراً، ويحمل هم المدرسة التي يذهب إليها كل يوم كالذي يساق إلى الموت، لا يعرف لوجوده فيها معنى ولا يدري فيم يدع عطف أمه والأنس بأخوته ليذهب إلى هذه الدار التي يحشد فيها الأطفال المساكين، لتحشى أدمغتهم بمسائل لا يدركون معناها، وتنال من أبشارهم عصا المعلم الغليظة، فلا المعلم يبسم لهم، ويدعوهم إلى حبه، ولا أهلوهم يستمعون شكواهم وينصفونهم
يا لهذا التلميذ البائس الذي لم يكد يفتح عينيه على الدنيا حتى أبصر الشقاء والألم .
لقد مات كمداً ، مضى مسرعاً في طريق الفناء ... مسكين
نعم إن المدرســــــة كـــانت تكــــذب عليـــــه !!
وقالت له المدرسة : (( إن الحق فوق القوة ، القوة للحق وليس الحق للقوة ))
فآمن بذلك وصدقه ، وتسلح بسلاح الحق ، فما راعه الاَّ اللص يضع مسدسه في صدغه يطلب ماله وما عنده ، فألقى عليه محاضرة في الحق ، جمع فيها كل ما تعلمه من أساتيذه ، وأضاف اليه ما انشق عنه ذهنه ، فردَّ عليها اللص بقهقهة مروعة ....
وذهب بأمواله وكل ما لديه ورجع هو يتمطى في طريق عارياً .
لم يبق له إلا فكرة سخيفة لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تنجي من برد ...
ورفع شكواه الى ذوي الهيئات ، فلم يرى عندهم حقا يقهر القوة ، ولكن وجد عندهم قوة تصنع الحق ، وجد قوة الجنـــود ، فأين يبقى الحق إذا ثار اللصوص على الجند أو فتكــــوا بهم ؟
هــــــذه هـــــي سنـــة الحيــــاة ، وليــــس على الحيـــــاة ذنـــب ، فهــــي ســـافرة لــم تستتــر ولـــــم تخـــــدع أحـــداً عن نفســـــها